فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
هذا السؤال من إبليس لم يكن عن ثقته منه بمنزلته عند الله تعالى، وأنه أهل أن يجاب له دعاء؛ ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه؛ كفعل الآيس من السلامة.
وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون: ألا يموت؛ لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده.
قال الله تعالى: {فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} يعني من المؤجَّلين.
{إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} قال ابن عباس: أراد به النفخة الأولى، أي حين تموت الخلائق.
وقيل: الوقت المعلوم الذي استأثر الله بعلمه، ويجهله إبليس.
فيموت إبليس ثم يبعث؛ قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26].
وفي كلام الله تعالى له قولان: أحدهما: كلمه على لسان رسوله.
الثاني: كلمه تغليظًا في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض}
تقدّم معنى الإغواء والزينة في الأعراف.
وتزيينه هنا يكون بوجهين: إما بفعل المعاصي، وإما بشغلهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعة.
ومعنى {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي لأضلنهم عن طريق الهدى.
وروى ابن لَهيعة عبدُ الله عن دُرّاج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس قال يا رب وعزتك وجلالك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني».
{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}
قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام؛ أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم.
وقرأ الباقون بكسر اللام؛ أي الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء.
حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلِصين لله فقال: الذي يعمل ولا يحب أن يحمده الناس.
{قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)}
قال عمر بن الخطاب: معناه هذا صراط يستقيم بصاحبه حتى يهجُم به على الجنة.
الحسن: {عليّ} بمعنى إليّ.
مجاهد والكسائيّ: هذا على الوعيد والتهديد؛ كقولك لمن تُهدّده: طريقك عليّ ومصيرك إليّ.
وكقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 14].
فكان معنى الكلام: هذا طريقٌ مرجعه إليّ فأجازي كُلًا بعمله، يعني طريق العبودية.
وقيل: المعنى عليّ أن أدل على الصراط المستقيم بالبيان والبرهان.
وقيل: بالتوفيق والهداية.
وقرأ ابن سِيرين وقتادة والحسن وقيس بن عُبَاد وأبو رجاء وحُميد ويعقوب {هذا صِراط عليٌّ مستقيم} برفع {عليّ} وتنوينه؛ ومعناه رفيع مستقيم، أي رفيع في الدين والحق.
وقيل: رفيع أن يُنال، مستقيم أن يمال.
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} قال العلماء: يعني على قلوبهم.
وقال ابن عُيينة: أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيّقه عليهم.
وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم.
قلت: لعل قائلًا يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} [البقرة: 36]، وعن جملة من أصحاب نبيّه بقوله: {إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} [آل عمران: 155]. فالجواب ما ذكر، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم، ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوْبة.
ولم يكن خروج آدم عقوبة لما تناول؛ على ما تقدّم في البقرة بيانه.
وأما أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى القول عنهم في آل عمران.
ثم إن قوله سبحانه: {ليس لك عليهِم سلطان} يحتمل أن يكون خاصًا فيمن حفظه الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة؛ كما فُعل ببلال، إذ أتاه يهدّيه كما يهدّى الصبيّ حتى نام، ونام النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، وفزعوا وقالوا: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتِنا؟ فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس في النوم تفريط» ففرّج عنهم.
{إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} أي الضالين المشركين.
أي سلطانه على هؤلاء؛ دليله {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100].
الثانية: وهذه الآية والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل؛ مثل أن يقول: عشرة إلا درهمًا.
أو يقول: عشرة إلا تسعة.
وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز أن يستثني إلا قدر النصف فما دونه.
وأما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح.
ودليلنا هذه الآية؛ فإن فيها استثناء {الغاوين} من العباد والعباد من الغاوين، وذلك يدل على أن استثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز.
قوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} يعني إبليس ومن اتبعه.
{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أي أطباق، طبق فوق طبق {لِكُلِّ بَابٍ} أي لكل طبقة {مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أي حظ معلوم.
ذكر ابن المبارك قال: أخبرنا إبراهيم أبو هارون الغَنَوِيّ قال: سمعت حِطّان بن عبد الله الرَّقاشي يقول سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: هل تدرون كيف أبواب جهنم؟ قلنا: هي مثل أبوابنا.
قال لا، هي هكذا بعضها فوق بعض، زاد الثعلبيّ: ووضع إحدى يديه على الأخرى وأن الله وضع الجنان على الأرض، والنيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنم، وفوقها الحُطَمة، وفوقها سقر، وفوقها الجحيم، وفوقها لظَى وفوقها السعير، وفوقها الهاوية، وكلّ باب أشدّ حرًا من الذي يليه سبعين مرة.
قلت: كذا وقع هذا التفسير.
والذي عليه الأكثر من العلماء أن جهنم أعلى الدّركات، وهي مختصة بالعُصاةِ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي التي تخلى من أهلها فتصفق الرياح أبوابها.
ثم لظى، ثم الحطمة، ثم سعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
قال الضحاك: في الدّرك الأعلى المحمديّون، وفي الثاني النصارى، وفي الثالث اليهود، وفي الرابع الصابئون، وفي الخامس المجوس، وفي السادس مشركو العرب، وفي السابع المنافقون وآل فرعون ومن كفر من أهل المائدة.
قال الله تعالى: {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} [النساء: 145]، وقد تقدم في النساء، وقال: {أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} [غافر: 46]، وقال: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فإني أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ العالمين} [المائدة: 115].
وقسّم معاذ بن جبل رضي الله عنه العلماء السّوء من هذه الأمة تقسيمًا على تلك الأبواب؛ ذكرناه في كتاب التذكرة.
وروى الترمذيّ من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سَلّ سيفه على أمتي» قال: حديث غريب.
وقال أُبَيّ بن كعب: لجهنم سبعة أبواب باب منها للحَرُورِية.
وقال وهب بن منبّه: بين كل بابين مسيرة سبعين سنة، كلّ باب أشدّ حَرًّا من الذي فوقه بسبعين ضعفًا. وقد ذكرنا هذا كلّه في كتاب التذكرة.
وروى سلام الطويل عن أبي سفيان عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} جزء أشركوا بالله، وجزء شكوا في الله، وجزء غفلوا عن الله، وجزء آثروا شهواتهم على الله، وجزء شفوْا غيظهم بغضب الله، وجزء صيّروا رغبتهم بحظهم من الله، وجزء عتَوْا على الله.
ذكره الحَلِيمي أبو عبد الله الحسين بن الحسن في كتاب منهاج الدين له، وقال: فإن كان ثابتًا فالمشركون بالله هم الثّنوية.
والشاكّون هم الذين لا يدرون أن لهم إلها أو لا إله لهم، ويشكون في شريعته أنها من عنده أم لا.
والغافلون عن الله هم الذين يجحدونه أصلًا ولا يثبتونه، وهم الدهرية.
والمؤثرون شهواتهم على الله هم المنهمكون في المعاصي؛ لتكذيبهم رسلَ الله وأمره ونهيه.
والشافون غيظهم بغضب الله هم القاتلون أنبياء الله وسائر الداعين إليه، المعذِّبون من ينصح لهم أو يذهب غير مذهبهم.
والمصيرون رغبتهم بحظهم من الله هم المنكرون بالبعث والحساب؛ فهم يعبدون ما يرغبون فيه، لهم جميع حظهم من الله تعالى.
والعاتون على الله الذين لا يبالون، بأن يكون ما هم فيه حقًا أو باطلًا، فلا يتفكرون ولا يعتبرون ولا يستدلون.
والله أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم إن ثبت الحديث.
ويروى: أن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه لما سمع هذه الآية {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} فرّ ثلاثة أيام من الخوف لا يعقل، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: يا رسول الله، أنزلت هذه الآية «وإِن جهنم لَمَوْعِدُهم أجمعِين؟ فوالذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي؛ فأنزل الله تعالى: {إِنّ المتقِين فِي جناتٍ وعُيُونٍ}».
وقال بلال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد المدينة وحده، فمرت به امرأة أعرابية فصلت خلفه ولم يعلم بها، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {لها سبعة أبوابٍ لكل باب منهم جزء مقسوم} فخرّت الأعرابية مغشيًّا عليها، وسمع النبيّ صلى الله عليه وسلم وَجْبَتها فانصرف ودعا بماء فصبّ على وجهها حتى أفاقت وجلست، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا هذه ما لك»؟ فقالت: أهذا شيء من كتاب الله المنزل، أو تقوله من تلقاء نفسك؟ فقال: «يا أعرابية بل هو من كتاب الله تعالى المنزل» فقالت: كل عضو من أعضائي يعذب على كل باب منها؟ قال:«يا أعرابية، بل لكل باب منهم جزء مقسوم يعذّب أهل كل منها على قدر أعمالهم» فقالت: والله إني امرأة مسكينة، مالي مال، ومالي إلا سبعة أعبد، أشهدك يا رسول الله، أن كل عبد منهم عن كل باب من أبواب جهنم حُرٌّ لوجه الله تعالى. «فأتاه جبريل فقال:يا رسول الله، بشّر الأعرابية أن الله قد حَرّم عليها أبواب جهنم كلها وفتح لها أبواب الجنة كلها». اهـ.

.قال الخازن:

{قال رب فأنظرني} يعني أخّرني {إلى يوم يبعثون} يعني يوم القيامة وأراد بهذا السؤال أنه لا يموت أبدًا لأنه أذا أمهل إلى يوم القيامة، ويوم القيامة لا يموت فيه أحد لزم من ذلك أنه لا يموت أبدًا، فلهذا السبب سأل الإنظار إلى يوم يبعثون، فأجابه الله سبحانه وتعالى بقوله: {قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} يعني الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق وهو النفخة الأولى فيقال: إن مدة موت إبليس أربعون سنة، وهو ما بين النفختين، ولم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكرامًا له بل كان ذلك الإمهال زيادة له في بلائه وشقائه وعذابه.
وإنما سمي يوم القيامة بيوم الوقت المعلوم، لأن ذلك اليوم لا يعلمه أحد إلا الله تعالى فهو معلوم عنده وقيل: إن جميع الخلائق يموتون فيه فهو معلوم بهذا الاعتبار وقيل لما سأل إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون أجابه الله بقوله: فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يعني اليوم الذي عينت وسألت الإنظار إليه {قال رب بما أغويتني} الباء للقسم في قوله بما وما ومصدرية، وجواب القسم {لأزينن} والمعنى فبإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض، وقيل هي باء السبب.
يعني بسبب كوني غاويًا لأزينن {لهم في الأرض} يعني لأزينن لهم حب الدنيا ومعاصيك {ولأغوينهم أجمعين} يعني بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وذلك أن إبليس لما علم أنه يموت على الكفر غير مغفور لهم حرص على إضلال الخلق بالكفر، وإغوائهم ثم استثنى فقال: {إلا عبادك منهم المخلصين} يعني المؤمنين الذين أخلصوا لك التوحيد والطاعة والعبادة، ومن فتح اللام من المخلصين يكون المعنى إلا من أخلصته واصطفيته لتوحيدك وعبادتك.
وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أن كيده ووسوسته لا تعمل فيهم، ولا يقبلون منه وحقيقة الإخلاص فعل الشيء خالصًا لله عن شائبة الغير فكل من أتى بعمل من أعمال الطاعات فلا يخلو، إما أن مراده بتلك الطاعات وجه الله فقط، أو غير الله أو مجموع الأمرين.
أما ما كان لله تعالى فهو الخالص المقبول، وأما ما كان لغير الله فهو الباطل المردود، وأما من كان مراده مجموع الأمرين فإن ترجح جانب الله تعالى كان من المخلصين الناجحين وإن ترجح الجانب الآخر كان من الهالكين لأن المثل يقابله المثل فيبقى القدر الزائد، وإلى أي الجانبين رجح أخذ به {قال} يعني قال الله تبارك وتعالى: {هذا صراط علي مستقيم} قال الحسن معناه هاذا صراط إلى مستقيم.
وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج إلى شيء.
وقال الأخفش: معناه على الدلالة على الصراط المستقيم.
وقال الكسائي: هذا على طريق التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه: طريقك علي أي لا تنفلت مني.
وقيل: معناه علي استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية.
وقيل: هذا عائد إلى الإخلاص والمعنى أن الإخلاص طريق علي وإلي يؤدي إلى كرامتي ورضواني.
{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} أي قوة وقدرة وذلك أن إبليس لما قال: لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، أوهم بهذا الكلام أن له سلطانًا على غير المخلصين فبين الله سبحانه وتعالى، أنه ليس له سلطان على أحد من عبيده سواء كان من المخلصين، أو لم يكن من المخلصين.
قال أهل المعاني: ليس لك عليهم سلطان على قلوبهم، وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء خاصته أي الذين هداهم، واجتباهم من عباده {إلا من اتبعك من الغاوين} يعني إلا من اتبع إبليس من الغاوين، فإن له عليهم سلطانًا بسبب كونهم منقادين له فيما يأمرهم به {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} يعني موعد إبليس وأتباعه وأشياعه {لها} يعني لجهنم {سبعة أبواب} يعني سبع طبقات.
قال علي بن أبي طالب: تدرون كيف أبواب جهنم هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض.
قال ابن جريج: النار سبع دركات أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية {لكل باب منهم جزء مقسوم} يعني لكل دركة قوم يسكنونها والجزء بعض الشيء وجزأته جعلته أجزاء، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يجزئ أتباع إبليس سبعة أجزاء فيدخل كل قسم منهم في النار دركة من النار والسبب فيه أن مراتب الكفر مختلفة فلذلك اختلفت مراتبهم في النار، قال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشرك، وفي السابعة المنافقون فذلك، قوله سبحانه وتعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي أو قال على أمة محمد صلى الله عليه وسلم». أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب. اهـ.